فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {ثُمَّ أَنتُمْ هؤلاء}:

قال الفخر:
أما قوله تعالى: {ثُمَّ أَنتُمْ هؤلاء} ففيه إشكال لأن قوله: {أَنتُمْ} للحاضرين و{هَؤُلاء} للغائبين فكيف يكون الحاضر نفس الغائب، وجوابه من وجوه، أحدها: تقديره ثم أنتم يا هؤلاء، وثانيها: تقديره ثم أنتم أعني هؤلاء الحاضرين، وثالثها: أنه بمعنى الذي وصلته {تقتلون} وموضع تقتلون رفع إذا كان خبرًا ولا موضع له إذا كان صلة.
قال الزجاج: ومثله في الصلة قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى} [طه: 17] يعني وما تلك التي بيمينك، ورابعها: هؤلاء تأكيد لأنتم، والخبر {تقتلون}، وأما قوله تعالى: {تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ} فقد ذكرنا فيه الوجوه، وأصحها أن المراد يقتل بعضكم بعضًا، وقتل البعض للبعض قد يقال فيه إنه قتل للنفس إذ كان الكل بمنزلة النفس الواحدة وبينا المراد بالإخراج من الديار ما هو. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {تظاهرون علَيْهِم بالإثم والعدوان}:

.قال الفخر:

اعلم أن التظاهر هو التعاون، ولما كان الإخراج من الديار وقتل البعض بعضًا مما تعظم به الفتنة واحتيج فيه إلى اقتدار وغلبة بين الله تعالى أنهم فعلوه على وجه الاستعانة بمن يظاهرهم على الظلم والعدوان. اهـ.

.فصل: الظلم وإعانة الظالم:

قال الفخر:
الآية تدل على أن الظلم كما هو محرم فكذا إعانة الظالم على ظلمه محرمة، فإن قيل: أليس أن الله تعالى لما أقدر الظالم على الظلم وأزال العوائق والموانع وسلط عليه الشهوة الداعية إلى الظلم كان قد أعانه على الظلم، فلو كانت إعانة الظالم على ظلمه قبيحة لوجب أن لا يوجد ذلك من الله تعالى، والجواب: أنه تعالى وإن مكن الظالم من ذلك فقد زجره عن الظلم بالتهديد والزجر، بخلاف المعين للظالم على ظلمه فإنه يرغبه فيه ويحسنه في عينه ويدعوه إليه فظهر الفرق. اهـ.

.فصل: المعين على الذنب والمباشر له:

قال الفخر:
الآية لا تدل على أن قدر ذنب المعين مثل قدر ذنب المباشر، بل الدليل دل على أنه دونه لأن الإعانة لو حصلت بدون المباشرة لما أثرت في حصول الظلم ولو حصلت المباشرة بدون الإعانة لحصل الضرر والظلم، فعلمنا أن المباشرة أدخل في الحرمة من الإعانة. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَإِن يَأْتُوكُمْ أسارى تفادوهم}:

.قال الفخر:

قرأ نافع وعاصم والكسائي: {أسارى تفادوهم} بالألف فيهما، وقرأ حمزة وحده بغير ألف فيهما والباقون: {أسارى} بالألف و{تفدوهم} بغير ألف والأسرى جمع أسير كجريح وجرحى، وفي أسارى قولان:
أحدهما: أنه جمع أسرى كسكرى وسكارى.
والثاني: جمع أسير، وفرق أبو عمرو بين الأسرى والأسارى، وقال: الأسارى الذين في وثاق، والأسرى الذين في اليد، كأنه يذهب إلى أن أسارى أشد مبالغة، وأنكر ثعلب ذلك، وقال علي بن عيسى: الاختيار أسارى بالألف لأن عليه أكثر الأئمة ولأنه أدل على معنى الجمع إذ كان يقال بكثرة فيه، وهو قليل في الواحد نحو شكاعى ولأنها لغة أهل الحجاز. اهـ.

.قال الثعالبي:

وقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: يقال: فدى، إِذا أعطى مالًا، وأخذ رجلًا، وفادى، إِذا أعطى رجلًا، وأخذ رجُلًا فتُفْدُوهم: معناه بالمالِ، وتُفَادُوهم، أي: مفادات الأسير بالأسير. انتهى.
ت: وفي الحديث من قوْل العَبَّاس رضي اللَّه عنه: فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وعَقِيلًا، وظاهره لا فَرْق بينهما. اهـ.

.قال الفخر:

جمهور المفسرين قالوا: المراد من قوله: {تفادوهم} وصف لهم بما هو طاعة وهو التخليص من الأسر ببذل مال أو غيره ليعودوا إلى كفرهم، وذكر أبو مسلم أنه ضد ذلك، والمراد أنكم مع القتل والإخراج إذا وقع أسير في أيديكم لم ترضوا منه إلا بأخذ مال، وإن كان ذلك محرمًا عليكم ثم عنده تخرجونه من الأسر، قال أبو مسلم والمفسرون: إنما أتوا من جهة قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}، وهذا ضعيف لأن هذا القول راجع إلى ما تقدم من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليهم، والمراد أنه إذا كان في الكتاب الذي معكم نبأ محمد فجحدتموه فقد آمنتم ببعض الكتاب وكفرتم ببعض، وكلا القولين يحتمل لفظ المفاداة لأن الباذل عن الأسير يوصف بأنه فاداه والأخذ منه للتخليص يوصف أيضًا بذلك، إلا أن الذي أجمع المفسرون عليه أقرب، لأن عود قوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} إلى ما تقدم ذكره في هذه الآية أولى من عوده إلى أمور تقدم ذكرها بعد آيات. اهـ.

.فائدة: الذين أخرجوا والذين فودوا:

قال الفخر:
قال بعضهم: الذين أخرجوا والذين فودوا فريق واحد، وذلك أن قريظة والنضير كانا أخوين كالأوس والخزرج، فافترقوا فكانت النضير مع الخزرج وقريظة مع الأوس.
فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه وإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه، فعيرتهم العرب وقالوا: كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم فيقولون: أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم، ولكنا نستحي أن نذل حلفاءنا، وقال آخرون: ليس الذين أخرجوهم فودوا ولكنهم قوم آخرون فعابهم الله عليه. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ}:

قال الفخر:
في قوله: {وَهُوَ} وجهان، الأول: أنه ضمير القصة والشأن كأنه قيل والقصة محرم عليكم إخراجهم، الثاني: أنه كناية عن الإخراج أعيد ذكره توكيدًا لأنه فصل بينهما بكلام فموضعه على هذا رفع كأنه قيل وإخراجهم محرم عليكم، ثم أعيد ذكر إخراجهم مبينًا للأول. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}:

قال الفخر:
أما قوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}.
فقد اختلف العلماء فيه على وجهين.
أحدهما: أخراجهم كفر، وفداؤهم إيمان، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة وابن جريج، ولم يذمهم على الفداء، وإنما ذمهم على المناقضة إذ أتوا ببعض الواجب وتركوا البعض، وقد تكون المناقضة أدخل في الذم لا يقال هب أن ذلك الإخراج معصية، فلم سماها كفرًا مع أنه ثبت أن العاصي لا يكفر، لأنا نقول لعلهم صرحوا أن ذلك الإخراج غير واجب مع أن صريح التوراة كان دالًا على وجوبه.
وثالثهما: المراد منه التنبيه على أنهم في تمسكهم بنبوة موسى عليه السلام مع التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم مع أن الحجة في أمرهما على سواء يجري مجرى طريقة السلف منهم في أن يؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض والكل في الميثاق سواء. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {إلا خزي في الحياة الدنيا}:

قال الفخر:
أما قوله تعالى: {إلا خزي في الحياة الدنيا} فأصل الخزي الذل والمقت.
يقال: أخزاه الله، إذا مقته وأبعده، وقيل: أصله الاستحياء، فإذا قيل: أخزاه الله كأنه قيل: أوقعه موقعًا يستحيا منه، وبالجملة فالمراد منه الذم العظيم، واختلفوا في هذا الخزي على وجوه:
أحدها: قال الحسن: المراد الجزية والصغار، وهو ضعيف لأنه لا دلالة على أن الجزية كانت ثابتة في شريعتهم، بل إن حملنا الآية على الذين كانوا في زمان محمد صلى الله عليه وسلم صح هذا الوجه، لأن من جملة الخزي الواقع بأهل الذمة أخذ الجزية منهم.
وثانيها: إخراج بني النضير من ديارهم، وقتل بني قريظة وسبي ذراريهم، وهذا إنما يصح لو حملنا الآية على الحاضرين في زمان محمد صلى الله عليه وسلم، وثالثها: وهو الأولى أن المراد منه الذم العظيم والتحقير البالغ من غير تخصيص ذلك ببعض الوجوه دون بعض والتنكير في قوله: {خزي} يدل على أن الذم واقع في النهاية العظمى. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَيَوْمَ القيامة يُرَدُّونَ إلى أَشَدّ العذاب}:

قال الفخر:
أما قوله: {وَيَوْمَ القيامة يُرَدُّونَ إلى أَشَدّ العذاب} ففيه سؤال وهو أن عذاب الدهرية الذين ينكرون الصانع يجب أن يكون أشد من عذاب اليهود، فكيف قال في حق اليهود: {يُرَدُّونَ إلى أَشَدّ العذاب}.
والجواب: المراد منه أنه أشد من الخزي الحاصل في الدنيا، فلفظ الأشد وإن كان مطلقًا إلا أن المراد أشد من هذه الجهة. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ}:

.قال الفخر:

قرأ ابن كثير ونافع وعاصم بتاء الخطاب والباقون بياء الغيبة، وجه الأول: البناء على أول الكلام، أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، ووجه الثاني: البناء على أنه آخر الكلام واختيار الخطاب لأن عليه الأكثر ولأنه أدل على المعنى لتغليب الخطاب على الغيبة إذا اجتمعا. اهـ.

.فائدة: في قوله تعالى: {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ}:

قال الفخر:
قوله تعالى: {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} تهديد شديد وزجر عظيم عن المعصية وبشارة عظيمة على الطاعة، لأن الغفلة إذا كانت ممتنعة عليه سبحانه مع أنه أقدر القادرين وصلت الحقوق لا محالة إلى مستحقيها. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {بالإثم والعدوان}.
يحتمل أن يكون الإثم هو مواقعة الذنب خطأ من غير قصد، والعدوان مواقعة الذنب عن قصد.
قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب}.
أنكر عليهم تناقضهم كما هو في قول الله عز وجل: {أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنْسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} ليس المنكر كل واحد من الأمرين على حدته، لأن الإيمان بالبعض وأمر الناس بالبر غير منكر، إنما المنكر الكفر بالبعض وعدم الاتصاف بالبر، والمنكر الجمع بين الأمرين.
وعبر بالفعل المضارع للتصوير والدوام.
قيل لابن عرفة: في الآية حجة لمن يقول بوجوب فِدَاء الأسارى لقوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب} بعد أن قالوا: {وَإِن يَأتُوكُمْ أسارى تُفَادُوهُمْ} فدل على أن فداء الأسارى من جملة ما في كتابهم.
فإذا قلنا: إن شرع من قبلنا شرع لنا، نقول: إن الفداء في شرعنا واجب؟
فقال: نعم.
قوله تعالى: {فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ}.
ولم يقل: من فعل.
قال ابن عرفة: في التعبير بالمضارع ترج وإطماع لهم في العفو، لأن من فعل ذلك في الماضي وتاب لا يجازى بالخزي، إنما يجازى به من لم يتب.
قوله تعالى: {يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ العذاب}.
إن قلت: الرد يقتضي تقدم الحلول في المردود إليه؟
قلنا: هؤلاء كانوا فيما هو من جنس ذلك العذاب لأن العذاب نالهم في الدنيا.
قال الله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ} فإن قلت: كيف هو أشد وعذاب المنافقين أشد وعذاب الدهرية أشد لنفيهم الصانع؟
قلنا: الأشديّة مقولة بالتشكيك، أو المراد أشد العذاب الّذي علم الله حلوله بهم في الدنيا والآخرة، فلا ينافي أن يحل بغيرهم ما هو أشد منه.
فعذاب الدهرية أشد، وعذاب المجوس أشد، وكان بعضهم يقول: إن الدهرية لم يدّعوا نفي وجود الصّانع إنّما قالوا: {وَمَا يُهْلِكُنَا إلاّ الدهر} فادّعوا أن لهم خالقا أوجدهم فقط، أو يقال: قوله تعالى: {إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار} لم يعين أنه أسفل الطبقات نصا فالمراد أنه أسفل من غيره بالإطلاق فيصدق بكونه أسفل من طبقة ما منها.
قلت: الآية خرجت مخرج الذم للمنافقين والدَّرْكِ معرّف بالألف واللام العهدية، والمعهود هنا في الأسفل إنما هو ما بلغ الغاية في الانخفاض لاسيما إن قلنا: الأصح الأخذ بأواخر الأشياء.
قيل لابن عرفة: ظاهر الآية أنّ من كفر بالجميع عذابه أخف من عذاب من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعضه مع أن كفر الأول أشد؟
فأجاب: بأن الإيمان بالبعض دليل على حصول العلم وكفر العالم أشد من كفر الجاهل.
قلنا: أو يجاب بأن عذاب الجميع متساو فيصدق على كل فريق أن عذابه أشد، وهم مستوون في الأشدية، أو المراد أشد العذاب المعهود في الدنيا، لأن عذاب الدنيا على أنواع: منها الضَّرب والسجن، وأشدها عذابا النّار أي يردون إلى عذاب النار. اهـ.